الأحد، 12 فبراير 2012

الفرق بين دارهم وديارهم


قال الله تعالى في إهلاك قوم صالح عليه السلام :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:78) ، ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، وقال في إهلاك قوم شعيب عليه السلام :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:91) ، ﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:94) .

فأخبر سبحانه عن إهلاكهم مرة بالرجفة ، ومرة أخرى بالصيحة ، ووحَّد الدار مع الرجفة ، وجمعها مع الصيحة . فما معنى كل من ( الرجفة ) ، و( الصيحة ) ؟ ولم وحَّد ( الدار ) مع الأولى ، وأتى بها جمعًا مع الثانية ؟ وفي الإجابة عن ذلك أقول بعون الله وتعليمه :

أولاً – أما السؤال الأول فجوابه :

أن ( الرَّجْفَةُ ) هي الزلزلة الشديدة ، وهي ( فَعلَة ) ندل على حدوث الفعل مرة واحدة ، وهي من ( رجف يرجُف ) ، و( الراء والجيم والفاء ) أصل صحيح يدل على اضطراب . يقال : رجفت الأرض تَرْجُف رَجْفًا ورَجِيْفًا ورجَفانًا ورَجْفَةً . وقيل : الرجفة خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع . وأرجف الناسُ في الشيء ، إذا خاضوا فيه واضطربوا . وقيل : قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة (النازعات:6) ؛ كقوله :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا (الزلزلة:1) . وقيل : الرَّجْفَةُ هي الطامَّةُ التي يتزَعْزعُ لها الإِنسان ويضطرب ، ومنه قيل للبحر : رَجَّافٌ ، لاضطرابه .

أما ( الصَّيْحةُ ) فهي الصوت الشديد ، وهي ( فَعْلَةٌ ) ندل على حدوث الفعل مرة واحدة ، وهي من ( صاح يصيح ) ، و( الصاد والياء والحاء ) أصلٌ صحيح ، يدل على علو في الصوت . يقال : صاح يصيح صياحًا وصيحة . أي : صوَّت بقوة . قال تعالى في صفة المنافقين :﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾(المنافقون:4) ، ويقال : لقيت فلانًا قبل كل صَيْح ونَفْر . فالصيْحُ : الصياح . والنفْر : التفرُّق . وممّا يستعار من هذا قولهم : صاح النبت ، إذا طال ؛ كأنه لمَّا طال وارتفع ، جُعِلَ طوله كالصياح الذي يدل على الصائح ، ومثله قولهم : صاحت الشجرة .

والجمهور على أن ( الصيحة ) هي ( الزلزلة ) ، قال الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة . قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ ﴾(المزمل:14) ، وقال الليث : هي كرجفان البعير تحت الرحل ، وكما ترجف الشجرة ، إذا أرجفتها الريح ، قال النيسابوري :« وهذا لا يناقض ما ورد في موضع آخر أنهم أهلكوا بالطاغية ، وفي آخر أنهم أهلكوا بالصيحة ؛ لأن الطغيان مجاوزة الحد .. فالزلزلة هي الحركة الخارجة عن الحد المعتاد ، والغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة الهائلة » .

ثانيًا– وأما السؤال الثاني فقد نقل أبو حيان في البحر عن الكرماني قوله في الجواب عنه ، فقال :« حيث ذكر الرّجفة ، وهي الزلزلة ، وحدّ الدار . وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصيحة كانت من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة ، فاتصل كل واحد منهما بما هو لائق به . وقيل : في دارهم . أي : في بلدهم ، كنَّى بالدار عن البلد . وقيل : وحدّ ، والمراد به الجنس » .

فذكر أبو حيان أقوالاً ثلاثة ، جمع النيسابوري بين القول الأول والثاني منهما في قول واحد ، فقال :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ . أي : في بلدهم ، كقولك : دار الحرب ، ودار الإسلام . وقد جمع في آية أخرى فقال :﴿ فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ؛ لأنه أراد بالدار ما لكل واحد من منزلة الخاص ؛ إلا أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة » .

ولا يخفى ما في ذلك من خلط واضطراب ، وسوف نرى أن أصح هذه الأقوال هو القول الذي ينصُّ على أن ( الدار ) جاءت بصيغة المفرد ؛ لأن المراد منها : البلد ، أو الأرض ، وأن أضعف هذه الأقوال هو القول الذي نصَّ على « أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة » .

هذا القول الذي حكاه أبو حيان عن الكرماني ، حكاه الرازي قبله عن بعضهم ، وضعَّفه . وهو القول الذي اعتمد عليه الدكتور فاضل السامرائي في جوابه ، عندما سئل في ( لمسات بيانية ) عن الفرق بين كلمتي ( دارهم ) ، و( ديارهم ) من الناحية البيانية في القرآن الكريم ، فقال في ذلك ما نصُّه :« الصيحة هي أشملُ وأعمُّ من الرجفة ؛ لذا فإنها تُصيب عددًا أكبر ، وتبلغ أكثر من الرجفة » .

وأضاف الدكتور السامرائي قائلاً :« والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ؛ ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( ديارهم ) مع الصيحة ، كما في سورة هود . أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( دارهم ) مع الرجفة , كما في سورة الأعراف » .

هذا الجواب الذي ضعَّفه الإمام الرازي اعتمده السامرائي في إحدى لمساته التي سمَّاها : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل ، وهو خطأ مبني على خطأ آخر مثله ، وهو ذهابه إلى أن المراد من ( الدار ) هنا مفرد ( الديار ) ، وهو ليس كذلك ؛ لأن المراد من ( الدار ) هنا : القطعة من الأرض ، وهي التي تسمَّى الوطن ، يقال : دار العرب ، ودار الفرس ، ودار الروم ، ودار الإسلام ، ودار الكفر ، والمراد : أرضهم . وأما ( الديار ) فالمراد منها : المنازل أو البيوت المبنية من الحجر وغيره ، فهي أخصُّ من لفظ ( الدار ) ؛ ولهذا أتى التعبير عن الأولى بلفظ المفرد ، وأتى عن الثانية بلفظ الجمع ، ويبين لك ذلك :

1- أن لفظ ( الدار ) يطلق على البناء الذي تسكنه العائِلة ، كما في قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (القصص:81) ، ويطلق على المكان الذي تحله الجماعة من حي أو قبيلة ، أو أمة ، كما في قوله تعالى :﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ﴾(الرعد:31) . أي : تحل قريبًا من أرضهم ، وهو المجاور لحدودهم . ويطلق لفظ ( الدار ) أيضًا ، ويراد منه : الدار الدنيا ، والدار الآخرة ، ودار السلام ( الجنة ) ونار الفاسقين ( النار ) ، وقد يراد منه : مآل المرء ومصيره ؛ لأنه بمنزلة الدار يأوي إليه في شأنه ، والشواهد على ذلك من القرآن كثيرة .

وعلى هذا المغنى الثاني يحمل لقط ( الدار ) في قوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، وبه صرَّح بعض المفسرين ، كالفخر الرازي ، حيث قال :« يعني : في بلدهم ؛ ولذلك وحَّد ( الدار ) ، كما يقال : دار الحرب ، ومررت بدار البزازين ، وجمع في آية أخرى ، فقال : ( في ديارهم ) ؛ لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به » .

وقال الإمام السيوطي في الدر المنثور :« أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ يعني : العسكر كله » . وجاء في معجم العين للخليل ، وتهذيب اللغة للأزهري ، ولسان العرب لابن منظور :« وأَما الدّارُ فاسم جامع للعَرَصة والبناء والمحَلّة . وكلُّ موضع حلَّ به قوم فهو دَارُهُمْ . والدنيا دار الفناء ، والآخرة دار القرار ، ودار السلام : الجنة » .

فـ( الدار ) لفظ عامٌّ جامعٌ يطلق على البلد ، والأرض ، والمحلة ، وأما ( الديار ) فهو لفظ خاصٌّ يطلق على المساكن المبنية فقط ، ومثله : الدور ، وكلاهما جمع : دار . ويدلك على ذلك قول صالح- عليه السلام- لقومه ، لما عقروا الناقة :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾(هود:65) ، ثم قال تعال :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، فجمع بين اللفظين معًا ( الدار ، والديار ) . أما قوله :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ فالمراد منه : في بلدكم وأرضكم ، فشمل مساكنهم جميعها ، ثم خصَّ الذين ظلموا منهم بقوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ، فعبر عن ذلك بلفظ ( الديار ) ؛ لأنه أخصُّ من لفظ ( الدار ) .

2- وتأمل بعد ذلك قوله تعالى في خطاب صالح- عليه السلام- لقومه :﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (الأعراف:74) كيف ذكَّرهم بنعم الله تعالى عليهم ، وهي أن جعلهم خلفاء في الأرض من بعد الأمة التي سبقتهم ، وبوَّأهم فيها يتخذون من سهولها قصورًا ، وينحتون من جبالها بيوتًا . وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن هؤلاء القوم كانوا فئتين : الأولى كانت تسكن القصور التي اتخذتها من السهول . والثانية كانت تسكن البيوت التي تنحتها في الجبال .

أما الذين كانوا يسكنون البيوت المنحوتة في الجبال فأهلكوا بالصيحة ، وهي الموجة الصوتية المدوية . وأما الذين كانوا يسكنون القصور التي يتخذونها من السهول فأهلكوا بالرجفة ، وهي الزلزلة الشديدة . ومن هنا يتبين لنا خطأ من يقول : الإهلاك بالصيحة أشمل وأعم من الإهلاك بالرجفة ؛ لأن المراد من الإخبار في الآيتين ليس هو الكم ؛ وإنما المراد هو الكيف !

فتأمل ذلك ، ولا يغرنك لفظ ( القصور ) ، فكما يراد بها : القصور المشيدة بالحجر والآجرّ وغيرهما ، فكذلك يراد بها : القطع من الأرض المحدَّدة بحدود ، كالحدود المعروفة بين كل بلد ، وآخر ، ويدلك على ذلك أن لفظ ( القصور ) مأخوذ من القَصْر ، وهو الحبس . قال ابن فارس : يقال : قَصَرْتُه ، إذا حبستَه ، وهو مقصور . أي : محبوس . قال الله تعالى :﴿ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾(الرحمن:72) ، وامرأةٌ قاصِرَة الطَّرف : لا تمدُّه إلى غيرِ بَعلِها ؛ كأنَّها تحبِس طرْفَها حَبْسًا . سبحانه :﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾(الرحمن:56) . ومن هذا الباب قولهم : قُصارَاك أن تفعَلَ كذا ، وقَصْرُكَ ؛ كأنَّه يراد : ما اقتصرت عليه وحَبَسْتَ نفسَك عليه . ومن هنا جاز إطلاق لفظ القصور على الخيام التي يسكنها البدو في الصحراء ، كما قال الشاعر في وصف عرب الرُّوالا ، وهم عرب كانوا يسكنون بلاد الشام :

رُلا عربٌ قصورُهم الخيـام ... ومنزلهم حماة والشــآمُ

إذا ضاقت بهم أرجاء ارض ... يطيب بغيرها لهم المقام

فالقصور التي كان يسكنها هؤلاء القوم نوعان : نوع مبني من الحجر ، ونوع غير مبني ، وهو عبارة عن قطعة من الأرض محدَّدة بحدود ، وهي مقصورة عليهم ، ومقتصرة لهم دون غيرهم ، ومثلهم في ذلك كان قوم شعيب- عليه السلام- ولو كانوا يسكنون القصور أو البيوت بالمعنى المعروف فقط ، لما أهلكوا بالظلة . قال قتادة :« قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام ، حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم واستظل بها ، فأصاب تحتها بردًا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعًا ، فاستظلوا تحتها ، فأجَّجتْ عليهم نارًا » . وهكذا روي عن عِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَير ، والحسن ، وغيرهم ، كما قال ابن كثير . وقد أخبر تعالى عن العذاب الذي أصاب به قوم شعيب بثلاثة أمور :

أحدها : الرجفة في قوله تعالى :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾(الأعراف:91) .

الثاني : الظلة في قوله تعالى في الشعراء :﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ (الشعراء:189) .

الثالث : الصيحة في قوله في هود :﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾(هود:94) .

قال ابن قيم الجوزية :« وجمع لهم بين الثلاثة ؛ فإن الرجفة بدأت بهم ، فأصحروا إلى الفضاء خوفًا من سقوط الأبنية عليهم ، فصهرتهم الشمس بحرها ، ورفعت لهم الظلة ، فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم منها العذاب ، وفيه الصيحة » .

وقال ابن كثير أيضًا :« وقد اجتمع عليهم ذلك كله : أصابهم عذاب يوم الظلة ، وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولَهَب ووهَج عظيم ، ثم جاءتهم صيحة من السماء ، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم ، فزهقت الأرواح ، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد » .

وهكذا ثبت بما تقدم أن الرجفة أعم وأشمل من الصيحة ؛ ولهذا جاء التعبير عن الذين أخذتهم الرجفة بقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، وأما الذين كانوا يسكنون البيوت المنحوتة في الجبال فأهلكوا بالصيحة ، وهم اللذين ظلموا منهم ؛ ولهذا جاء التعبير عنهم بقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، فجاءت كل لفظة مناسبة لما ذكر قبلها من الصفة ، والدليل على ذلك : أن المراد بالإخبار عن إهلاك القوم الكيفية التي تمَّ بها إهلاكهم ، وليس المراد الكم ، وثبت بذلك أن قول من قال ، أيًّا كان :« الصيحة هي أشملُ وأعمُّ من الرجفة ، وأنها تُصيب عددًا أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة ، وأنها تؤثر في ديار عديدة » هو قول لا دليل له عليه ، وأنه مخالف لنص الآيات .. نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه ، وأن يرزقنا الفهم لكلامه ، وأن ينوِّر بصائرنا ، ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .. والحمد لله رب العالمين !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

إضافة : اطلعت على قول لأحد الإخوة ، بعد انتهائي من كتابة هذا المقال ونشره ، يعقب فيه على قول من قال :« الصيحة أثرها أعمّ وأشمل من الرجفة ؛ ذلك لأن الصيحة من الصياح ، والصوت أسرع انتشارًا ، بينما الرجفة فأثرها مكاني » ، وهو القول الذي اعتمد السامرائي عليه في لمسته الضبابية ، فقال :« الصيحة هي أشملُ وأعمُّ من الرجفة ، لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة . والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ؛ ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( ديارهم ) مع الصيحة ، كما في سورة هود . أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( دارهم ) مع الرجفة , كما في سورة الأعراف »

وتأكيدًا على ما ذكرته في مقالي السابق أذكر هذا القول هنا ، كما ورد بنصِّه :« هذا الكلام لا دليل عليه لا شرعًا ولا عقلاً ، فالعذاب الذي وقع على القومين عمَّهم وشملهم في ( رجفة الدار ) ، و( صيحة الديار ) على السواء ؛ فلا مجال للقول : إن أثر الصيحة عمَّ الديار ( بالجمع ) ، وأن أثر الرجفة عمَّ الدار ( بالإفراد ) ؛ لأن هذا ليس هو المقصود من الإفراد والجمع » .

وأضاف هذا الأخ قائلاً :« وكذلك يجب ملاحظة أن سرعة انتشار الأمواج الزلزالية في الأرض تبلغ أضعاف سرعة انتشار الأمواج الصوتية ، كما هو معروف من الفيزياء . والقول بأن الصيحة عمومًا أكبر أثرًا وتدميرًا من الرجفة كلام في غير محله ، وهو غير صحيح ؛ لأن ذلك يتعلق بمقدار القوة التدميرية لكل منهما عند الإهلاك ، وهذا لم تذكره النصوص . وما نراه من آثار التدمير التي تحصل بسبب الزلازل أعظم بأضعاف من تأثير الصوت والصيحة ؛ لأن أثر الصيحة لا يتعدى إيذاؤها الأحياء إلى أشياء أخرى ؛ إلا بآثار بسيطة كتهشيم الزجاج ، واهتزاز المنشآت .

وأرى أن الرجفة هي الأساس ؛ لأن ما يصاحبها وما يرافقها من أشياء تكون كثيرة ؛ ومنها الأصوات كالصيحة ، فقد يرافق الرجفة براكين ، وسقوط أثقال ، وكسف من السماء ( الحمم ) ، وما ينتج عنها من آثار عمومًا هو أعظم من الصيحة . ويكفينا تذكر ما حصل من زلزلة بالقرب من اندونيسيا في ( 26/12/2004 ) ، وما تبعها من آثار ودمار وموت لعشرات الألوف من الناس للاعتبار ، فالصيحة قد تكون من توابع الرجفة ، أو من آثارها » .

أقول : ويؤيِّد هذا القول ما نقلته عن ابن قيم الجوزية من قوله في إهلاك قوم شعيب بأن « الرجفة بدأت بهم ، فأصحروا إلى الفضاء خوفًا من سقوط الأبنية عليهم ، فصهرتهم الشمس بحرها ، ورفعت لهم الظلة ، فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم منها العذاب ، وفيه الصيحة » . ويؤيده أيضًا أن الله تعالى لما أخبر عن قوم هود بقوله :﴿ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾(هود :77) ، عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:78) . ولما أخبر تعالى عن قوم شعيب بقوله :﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (الأعراف:90) ، عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (الأعراف:91) ، فأتى بفاء التعقيب ، وهذا يدل على أن ( الرجفة ) أخذتهم عقيب ما ذكروا من قولهم ، ثم تبعتها ( الصيحة ) للذين ظلموا منهم خاصّة ، وهم الذين اتخذوا من البيوت المنحوتة في الجبال سكنًا لهم . وبهذا نرى أن الأخذ بالرجفة أعم وأشمل من الأخذ بالصيحة ؛ لأن الصيحة هي من آثار تلك الرجفة التي زلزلت الأرض من تحتهم ، خلافًا لمن زعم أن الصيحة أعم وأشمل ، وأن الرجفة متسببة عن الصيحة .. والله تعالى أعلم !

محمد إسماعيل عتوك

3 التعليقات:

Unknown يقول...

يرجى منك يا أستاذ أن تختار الفاظا مناسبة عندما تتحدث عن شخص مثل الدكتور فاضل السامرائي. وأعلم يا أخي أن كل شخص يؤخذ منه ويرد عليه.على العموم بورك فيك.

Unknown يقول...

بارك الله فيكم ..
لكن تعليق بسيط
ورد كلمة الدار فى كتاب الله . وفى السير أن الدار بمعنى المنزل أو البيت لقوله تعالى :

فخسفنا به وبداره الارض ... وهو معلوم أنه بيت قارون ..
كذلك دار الارقم أبن الارقم .. وهو بيت للأنصارى الارقم المعروف
وكذلك فى الاحاديث . والسير .. دار عثمان بن عفان .. دار فاطم
ة وعلىّ
وهو معلوم كثير جدا ان الدار أى مايخص بيت أى فلان ... وليس كما ذكرتم ارض كبيرة .. دار الكفر .دار الاسلام ..دار العرب .. دار الفرس .. وهو تعبير مجازى . اطلق الجزء وأراد الكل .. أو تعبير أعتبارى ....
وشكرا جزيلا لباقى المنشور الممتع ...

طه يقول...

وردهنا خطأ إن الذين قالوا يا صالح ائتنا بما وعدنا هم ثمود قوم سيدنا صالح وليس قوم هود

إرسال تعليق